الوطن البحري والوطن القبليكان بورقيبة الذي ولد في مطلع القرن
العشرين في حي "الطرابلسية" بمدينة المونستير، والذي تعود جذوره إلى منطقة
مصراتة في ليبيا، قد نشأ بعيدا عن تأثير جامع الزيتونة، ومن البداية اختار
أفق البحر الأزرق الذي تطل عليه المونستير، أكثر من أفق الجنوب الصحراوي
الأصفر، وأختار أن يدرس في فرنسا حيث تأثر بشدة بمؤلفات جان جاك روسو،
ومنتيسكيو. لم يتلقف العقد الاجتماعي، وروح القانون فحسب، بل عاش مع سيدة
فرنسية دون زواج، تكبره باثنتي عشر عاما، كان زوجها العسكري قد لقي حتفه
خلال الحرب العالمية الأولى، ثم تزوجها في ما بعد، وأنجب منها ابنه
الوحيد، وعاشت معه 22 سنة، قبل أن يطلقها، ويتزوج من السيدة وسيلة بن
عمار، التي تحولت إلى أقوى شخصية بعد بورقيبة، وأحيانا أقوى منه، حتى
طلقها هي الأخرى في آخر سنوات حكمه بحجة تدخلها في شئون الدولة.
كان بورقيبة طاغية في زي علماني، ألغى كل
الأحزاب، وأبقى حزبه فقط، وطارد معارضيه وسجنهم بالآلاف، وشطب على كل
رفاقه في الكفاح من أجل الاستقلال، وأعلن نفسه "المجاهد الأكبر"، وفي
منتصف السبعينات عدل الدستور، الذي أصبح ينص على أن بورقيبة هو رئيس تونس
مدى الحياة